جلستُ أمامه وقد حل به اليأس- كعادته بعد الانقلاب- وركبه القنوط، ونطق بما ينطق به ذوو المصائب والبلاءات، مرددًا: لا أمل، لا أمل، مفيش فايدة.
ولم يا صديقى؟
قال: ألا ترى المجرمين وقد أحكموا السيطرة، وقد أقنعوا العالم بأنهم أجروا انتخابات نزيهة؟ ثم أردف: خلاص انتهت، فى مصر وفى غيرها.
قلت: والله لن يكون ما تظن، بل سيكون الخير إن شاء الله، كل الخير؛ فإن الأيام دول، اليوم عسر وغدًا يسر، ولن يكون إلا ما أراد الله؛ والله يريد الحق ولا يحب الفساد، ويريد –سبحانه- أن يُعبد فى الأرض ولا يريد أن يكون له شركاء من الجبابرة الظالمين؛ ذلك حكم الله وتلك إرادته، ولا راد لحكمه ولا معطل لمشيئته، وإن عليك إلا البلاغ.
يا صديقى! لتثق أن أمتنا هى الباقية، السائدة وما سواها من الأفراد والجماعات والأمم سوف يخضعون لها. قد تعجب مما أقول وتسأل: كيف وهم المسيطرون ونحن المستسلمون؟ وهم الأعزاء ونحن الأذلاء؟ وهم الأقوياء ونحن الضعفاء؟ وهم الحكام ونحن المحكومون؟ كأنك يا صديقى تعيد موقف من ضعفوا وغرتهم قوة الأحزاب يوم الخندق فقالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا؟ بل الواجب يا صديقى أن تقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله. وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا.
إن اليأس يا صديقى ليس من أخلاق المسلمين، بل هو آفة الرجال؛ إذ أصحاب العقيدة؛ عقيدة التوحيد، وحاملو القرآن لا يجزعون إذا جزع الناس، ولا ييأسون إذا يئسوا؛ فإن أصابهم قرحٌ أو حلت بهم هزيمة تطلعوا إلى السماء –وقد استنفدوا أسباب الغلبة- فتقووا بها فلم يخشوا أحدًا إلا الله، ولم يحزنوا على ما فاتهم، وقد ازدادوا إيمانًا، وامتلأوا ثقة ويقينًا، واتخذوا الجبار حسيبًا ووكيلا؛ إذ لم يشكّوا لحظة فى أنهم هم الغالبون، المنقلبون بنعمة من الله وفضل؛ وقد مرت عليهم أحوال الأنبياء مع أقوامهم ومعانديهم؛ فما ضعفوا وما استكانوا، بل كانت لهم العقبى، وقد هدى الله من هدى، وأهلك من أهلك.
يا صديقى! لتطمئن أن عوامل السلامة فى أمتنا كثيرة لا تُحصى، وهى التى حفظتها لقرون؛ رغم ما تعرضت له من كيد لتزول منه الجبال، وقد اجتمعت عليها ملل الكفر والشرك والإلحاد جميعها؛ فما انتقضت أمتنا كما انتقضت أمم قبلها، وما استطاعت قوة فى الأرض أن تطوعها لدين أو فكر كما فُعل بأمم أخرى؛ اللهم إلا انتكاسة فى أبنائها عن نهج دينهم القويم، وتكالبًا على الدنيا أطمع فيهم أعداءهم وأصابهم بالوهن إلى حين.
يا صديقى! إن لدينا وحيين؛ ما إن تمسكنا بهما لن نضل ولن نزلّ ولن نجهل أبدًا؛ كتاب الله المنزّل المتعبد به، وسنة نبيه الراشدة؛ ففيهما أخبار من قبلنا، ونبأ من بعدنا، وحكم ما بيننا، ما فرّط الرحمن فيهما من شىء، بل هما تبيان لكل شىء، فيهما قوة الأمة، وسلامتها، وبصيرتها ويقظتها، وفيهما عزُنا وشرفُنا وسيادتنا وهيمنتنا؛ فإذا تخلينا عنهما ركبنا الأعداء ونزع الله المهابة من قلوبهم لنا.. والحمد لله يا صديقى أن الكتاب والسنة محفوظان باقيان فى أمتنا حتى قيام الساعة؛ ففى كل دقيقة هناك الآلاف من الصغار والكبار والنساء والرجال والعرب وغير العرب يحفظونهما، ويتلونهما، ويعملون بهما، ويدعون إليهما؛ فلن نشقى –بإذن الله- ما بقى هذان الوحيان السماويان الخالدان.