المفاوضات مع إثيوبيا.. أسرار الفشل ومسارات المستقبل

- ‎فيتقارير

مثل إعلان فشل المفاوضات الثلاثة المصرية الأثيوبية السودانية حول أزمة سد النهضة إحراجا لديكتاتور العسكر عبدالفتاح السيسي، الذي زعم في اجتماع سابق في يناير الماضي خلال زيارته لأثيوبيا لحضور القمة الأفريقية أنه لا توجد مشكلة حول السد من الأساس.

وقتها خرج الجنرال من اجتماع مطول مع الرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هالي ميريام ديسالين، متشابكي الأيدي مصرحا: «لا يمكن أن يحدث أي ضرر لمواطن في أي دولة من دول حوض النيل من نتيجة بناء سد النهضة، ولا توجد أي أزمة على الإطلاق فيما يتعلق بسد النهضة وعملية بنائه وتأثيره على مصر والسودان”.

لكن الجولة الأخيرة من المفاوضات التي انعقدت في الخرطوم وانتهت فجر الجمعة 6 أبريل 2018م، بإعلان وزير الخارجية السوداني عن فشل المفاوضات مثلت صدمة للأوساط المؤيدة للجنرال وسوقت لتصريحاته يناير الماضي على أنها تمثل إنجازا لقائد الانقلاب وحلا للأزمة التي تهدد الأمن القومي المصري.

أسرار الفشل

حول خفايا المفاوضات تمسكت إثيوبيا بموقفها الرافض للتجاوب مع الملاحظات والمطالب التي تقدمت بها حكومة الانقلاب، وأصرت أديس أبابا على تمسكها بتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه خلف بحيرة السد خلال ثلاث سنوات فقط، لتوليد 6 آلاف ميجاواط من الكهرباء، في حين تتوسل حكومة العسكر لزيادة مدة التخزين إلى 7 سنوات لتخفيف حدة الآثار السلبية الناجمة عن السد على دول المصب.

وترددت أنباء عن طرح السودان تصورا جديدا لحل الأزمة الراهنة، من خلال تعويض إثيوبيا لكل من السودان ومصر عن الآثار السلبية عن طريق الكهرباء المنتجة من السد عقب تشغيله.

مطالب الأطراف

وتقدمت حكومة العسكر خلال المفاوضات الأخيرة بالخرطوم والتي استمرت 12 ساعة، بمطلبين:

الأول: متعلق بالمشاركة في إدارة السد بعد تشغيله، وأن تكون هناك صيغة تضمن وجود مراقبين لعملية التشغيل، بحيث لا يضر بالأمن المائي لدول المصب.

والثاني: إطالة مدة التخزين لسبع سنوات أو 5 سنوات بدلا من 3.

ولكن الطرف الإثيوبي تحفظ على هذه المطالب وأصر على تمسكه برفضها؛ كاشفا عن بدء بلادهم بعملية تخزين المياه في أغسطس المقبل، دون انتظار نتائج الدراسات الفنية التي تشرف عليها المكاتب الفرنسية المتفق عليها بين الدول الثلاث؛ الأمر الذي أفضى إلى فشل المفاوضات.

 

مسارات المستقبل

وأمام هذا الوضع المعقد وفشل الجنرال وأركان حكومة عسكر 30 يونيو عن وضع حد لهذه الأزمة التي تهدد الوجود المصري وتضع الأمن القومي في خطر غير مسبوق من مئات السنين، وتهدد بتشريد ملايين العمال والفلاحين والموظفين وتجويع الشعب المصري بخفض حصتها المائية على مدار سنوات ملء خزان السد.

وأمام النظام “3” مسارات للتعامل مستقبلا مع الأزمة:

أولا: استمرار مسار المفاوضات رغم فشه مرارا وتكرارا.

ثانيا: اللجوء إلى الوساطة الدولية والتحكيم الدولي.

ثالثا: ضربة عسكرية تتسبب في تدمير السد ومنع تخزين المياه.

ووفقًا لتصريحات وزير الخارجية بحكومة العسكر سامح شكري والتي أعلنت فشل المفاوضات “لقد فشلنا في كافة السبل، وأصبحنا في طريق مسدود.. سنعطي مهلة أخيرة لمدة 30 يومًا”!

هل تلجأ مصر للحرب؟

فماذا بعد هذه المهلة؟ هل سيلجأ العسكر لضربة عسكرية؟ ورغم مطالب خبراء ومتخصصين بضرورة استخدام كل الكروت واللجوء إلى كل الوسائل المتاحة من أجل منع هذه الكارثة باعتبار بناء السد بهذه الكيفية وهذه الضخامة يمثل إعلان حرب رسمي من جانب أديس أبابا دون اكتراث لمخاطر السد على مصر زراعة وصناعة وحياة.

لكن كثيرا من المراقبين يؤكدون استبعاد هذا المسار استنادا إلى تصريحات مسئولين بحكومة العسكر، لصعوبة التنفيذ من جهة لبعض المسافة على الطيران إضافة إلى مخاطر توابع الضربة والتي ستضع العلاقات مع أثيوبيا في حالة حرب مستمرة لعقود طويلة.

إثيوبيا ترفض التحكيم

أما مسار التحكيم الدولي فإن إثيوبيا ترفض من الأساس الموافقة على ذلك، كما أن هذا المسار سوف يستمر لسنوات لبطء إجراءات التحكيم ما يعني فرصة سانحة لأديس أبابا لاستكمال السد وملء الخزان ولتنتظر القاهرة نتائج التحكيم كما تشاء حيث ستكون قد انتهت من السد وتخزين المياه وإنتاج الكهرباء.

يعزز من استبعاد مسار الحرب تصريحات مسئول مطلع بحكومة العسكر لصحيفة “العربي الجديد” في أعقاب فشل مفاوضات الخرطوم التساعية، التي تؤكد استبعاد الخيار العسكري لحل الأزمة تماما، مضيفة “غير منطقي تماما في الوقت الراهن، وليس هناك أي طرح للحل العسكري ولو بنسبة 1% لأن وقته مر منذ فترة طويلة”، لافتة إلى أن “مصر الآن تركز على خطة أخرى تستهدف المؤسسات والكيانات الدولية المعنية بالأمر، لوقف تلك المهزلة الإثيوبية، عبر تقارير فنية توضح مخاطر السد التي تريد أديس أبابا القفز عليها”. في إشارة إلى التحكيم الدولي”.

لا أمل في المفاوضات

ويبقى المسار الثالث والوحيد هو استكمال مسار المفاوضات، التي تحولت بفعل المماطلة الأثيوبية إلى مسار عبثي يحقق الأهداف الأثيوبية في اكتساب مزيد من الوقت حتى الانتهاء من بناء السد وتحويله إلى حقيقة وأمر واقع لا مفر من الاعتراف به.
إذا.. كل الطرق مغلقة، وكل النهايات مأساوية، ويبقى الديكتاتور أمام المشهد القاتم لا يملك سوى التصريحات البلهاء كتلك التي أدلى في أديس أبابا حول عدم وجود مشكلة من الأساس، أو شن حملات إعلامية تستهدف التغطية على الفشل بافتعال أزمات جديدة وصرف الانتباه عن الكارثة التي تحاصر مصر وشعبها.