أزمة جزيرة الوراق.. بيزنس العسكر والتستر بهيبة الدولة

- ‎فيأخبار

 كتب: يونس حمزاوي
الراصد لما بثته فضائيات العسكر وصحفه خلال الأسبوع الماضي، منذ اندلاع شرارة أحداث جزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، يدرك على الفور أن الأذرع الإعلامية انتقلت من دائرة تبرير اعتداءات عصابات السيسي على أهالي جزيرة الوراق إلى التحريض على الأهالي؛ بحجة حماية هيبة الدولة وإنفاذ القانون.

ولكن من يعلم حقيقة الأمر يدرك أن المسألة لا علاقة لها بهيبة الدولة ولا القانون؛ فالدولة سقطت بالفعل منذ 30 يونيو 2013، عندما استولت عصابة العسكر على الحكم بقوة الدبابات والسلاح، واحتلت قصور الرئاسة ومؤسسات الحكم، واعتقلت الرئيس الشرعي محمد مرسي، المنتخب ديمقراطيا، مدعومة من الدولة العميقة التي أسسها مبارك على مدار 3 عقود في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، مع دعم جماهيري من الكنيسة والفلول وبعض العلمانيين الحاقدين على التيار الإسلامي.

فتّش عن بيزنس العسكر

وشيئًا فشيئا بدأت بعض الحقائق تتكشف، وأن هيبة الدولة المزعومة وإنفاذ القانون هما ستار يخفي حقيقة أطماع العسكر وبيزنس الجنرالات في الجزيرة، التي يعدونها جوهرة مطموسة في الطين، تحتاج إلى تطوير حتى تكون مثل جزيرة الزمالك، التي باتت مقرا لمعظم سفارات الدول الأجنبية وعليّة القوم والمسئولين الكبار بالدولة.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي عدة صور قالوا إنها لتصميم هندسي خاص بتطوير الجزيرة عقاريا، ويضم التصميم عدة مبانٍ شاهقة وميادين متطورة، علاوة على 4 جسور تربط الجزيرة بالبرين الشرقي والغربي.

وقد نشرت شركة "آر إس بي" الهندسية- والتي تمتلك فروعا في دبي ولندن وسنغافورة وعدة مدن كبرى أخرى على موقعها على شبكة الإنترنت- بعض الصور لما وصفته "بتصميم مقترح" لتطوير جزيرة الوراق في القاهرة.

ولم تذكر الشركة أي شيء عن وجود اتفاق مع حكومة الانقلاب أو أي جهة أخرى لتنفيذ هذا المقترح، ولكنّ المدونين على شبكة الإنترنت يقولون إن شركة استثمارية لن تنفق وقتها وجهدها لابتكار تصميم بهذا الحجم مجانا ودون أن يكلفها أحد بذلك.

وبحسب "بي بي سي" التي اتصلت بمقر الشركة في دبي عبر الهاتف وتحدثت لرانجان رادها كريشنان، المسئول عن التسويق في الشركة، للاستفسار عن طبيعة المشروع، قال كريشنان: إن "الشركة لم يعد لها علاقة بالمشروع بعدما أنهت التصميم بناء على طلب أحد عملائها". ورفض إيضاح أي تفاصيل عن هوية العميل أو جنسيته، ولكن مصادر مطلعة كشفت عن أن المسألة تتعلق ببيزنس كبار الجنرالات في جيش كامب ديفيد.

مظاهرات يومية

المدهش في الأزمة هو درجة الوعي الكبيرة لدى سكان الجزيرة الذين يبلغون 55 ألفا، وهو ما يفسر سر احتشاد الأهالي ضد حملات الإزالة المدعومة بمئات الجنود المدججين بالسلاح والبلدوزرات، فارتقى شهيد وأصيب العشرات، وتم اعتقال 9، وطلبت نيابة الانقلاب ضبط 19 آخرين.

ويتظاهر آلاف الشباب يوميا بالجزيرة بعد صلاة العشاء، من المسجد الكبير بوسط الجزيرة، مرددين هتافات ضد السيسي وحكومة العسكر.

ومع التكتم الإعلامي من جانب فضائيات وصحف العسكر، قامت الفضائيات الموالية لثورة يناير والرئيس محمد مرسي، بنقل فعاليات الغضب اليومي من الجزيرة، ما زاد من شعبية هذه القنوات ومتابعة معظم أهالي الجزيرة لها.

يقول أحد المواطنين (أ.ع): "معظم أهالي الجزيرة يتابعون فضائيات مكملين والشرق ووطن والجزيرة؛ لأنها تعبر عن معاناة الأهالي، في الوقت الذي تصمت فيه الفضائيات الأخرى والتي تعبر عن لسان الحكومة".

التستر خلف هيبة الدولة

رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب شريف إسماعيل، عندما علق على الاشتباكات التي جرت بين الأهالي وقوات الأمن لمنعهم من مصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم، لم ير من المشهد إلا "هيبة الدولة" المهدرة، كأنه كان يواجه أجانب أو قوات أجنبية وليس شعبه صاحب السيادة، فهو لم ير الإنسان، لم ير الشعب، لم ير البشر، ولم يتصور أن لدى هذا الشعب حرمة، ولا لحياته كرامة، لم يفكر حتى في تقديم عزاء "نفاقي" للمواطن الذي قتل وهو يدافع عن أرضه، لم ير أن حياته ذات قيمة أو تستحق أن يتذكرها، لم يفهم معنى أن يضحي الإنسان من أجل أرضه التي عاش عليها عمره وورثها عن آبائه وأجداده، وتأتي قوة غاشمة لتطرده منها إلى المجهول وتشرده بين الخلائق.

وأين هي دولة القانون؟

الأهالي بحسب جمال سلطان، رئيس تحرير "المصريون"، يعرفون أن العدالة غائبة عن بلادهم، وأنهم لا يتعاملون مع سلطة تعبر عن إرادتهم، وتخضع لمؤسسات رقابية مستقلة، وأن ما يسري على الضعيف يسري على القوي، وأن الفقير والغني سواء، الفلاح المصري والمستثمر الإماراتي سواء، لذلك يرفضون أن تكون العدالة سيفا على رقابهم وحدهم دون رقاب "الأكابر"، أو أن يكون القانون مختصا بهم وحدهم دون باقي من خرجوا عليه جهارا نهارا، وهم يتوسدون حتى الآن المناصب المرموقة في أجهزة رفيعة.

الأهالي يعرفون أن عشرات الآلاف من الأفدنة في العاصمة نفسها، وبعض أطرافها، تمت السيطرة عليها خارج إطار القانون، وآلاف الأفدنة من أراضي الدولة المستباحة في الفيوم وهي محميات طبيعية (تسيطر عليها الكنيسة)، تعجز حتى الآن عن استعادتها؛ لأن الطرف الآخر تدعمه مؤسسات دينية حليفة للسلطة!.