كتب كريم محمد:
رغم التغطية الواسعة في الصحافة الغربية لتفجير الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية الأرثوذوكسية، إلا أن التحليلات التي نشرتها هذه الصحف خلت من التعاطف مع السيسي، ما أسقط أهم هدف سعى النظام من ورائه لجلب التعاطف الدولي، وهو الدعم الغربي له في حربه ضد "الارهاب"، أو طلب مساعدات.
ولفتت تغطية هذه التحليلات الغربية الأنظار إلى أن هدف السيسي كان السعي للاستفادة من التفجير في الحصول على حزم مساعدات أمنية واقتصادية، خصوصا من الرئيس الأمريكي الجديد "ترامب"، ولكنها بالمقابل ركزت على انتقاد الوضع الحقوقي والقيود، وشكوى 16 منظمة حقوقية من قانون الجمعيات الأهلية.
مجلة "إيكونوميست" علقت على الهجوم على الكنيسة، مؤكدة أن "مسيحي مصر يعانون من كلا الجانبين، إذ يقدم السيسي نفسه إليهم على أنه الحليف والحامي لهم، مما أثار عداوة خصوم الحكومة من الإسلاميين، وفي نهاية المطاف، اتضح أن حمايته لهم غير كافية".
وأشارت الباحثة الأمريكية "ميشيل دنّ" التي سبق منع دخولها مصر، إلى أن السيسي يسعى من وراء هذه التفجيرات الحصول على دعم غربي، وكتبت عما قالت إنه "قائمة الهدايا التي تتمنى مصر الحصول عليها من إدارة ترامب"، لمركز كارنيغي للشرق الأوسط تشير إلى "المطالب التي قد يعرضها حلفاء الولايات المتحدة، ومنهم السيسي، على الرئيس المقبل ترامب".
وتتضمن قائمة رغبات مصر، وفقا لمصادر عدة من بينها صحيفة ترتبط بالحكومة بصورة وثيقة، حسب " ميشيل دنّ"، زيارتي السيسي إلى واشنطن وترامب إلى القاهرة، وزيادة الدعم العسكري، وتقديم المساعدات الاقتصادية التي لم يتم صرفها نقدا، وتوفير مليارات عدة من الدولارات بصورة ضمانات قروض.
كما تتضمن مطالب السيسي من ترامب: "اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وتسليم المطلوبين المصريين الموجودين في الولايات المتحدة إلى الحكومة المصرية".
وتقول الباحثة الأمريكية أن بعض الأشياء المطلوبة في قائمة السيسي "من النوع الذي سيكون للإدارة الأمريكية الجديدة مطلق الحرية في تحقيقه من دون موافقة أي قطاعات أخرى في الحكومة، ومع ذلك سوف تتطلب معظم البنود الواردة في القائمة تعاونا من جانب السلطة التشريعية أو القضائية".
وأشارت "دنّ في مقالها الذي جاء بعنوان: (دونالد ترامب قد يخسر إذا أعطى عبدالفتاح السيسي ما يريد) إلى أنه "لا ينبغي أن يُفهم أن إعجاب ترامب بالسيسي يعني أن بمقدور مصر أن تفعل الآن كل ما يحلو لها دون أن تواجه ردا سلبيا أو صدّا من جانب واشنطن".
ونوهت لأن "الرئيس الأمريكي الجديد وأركانه يوافقون على الأقلّ على بعض مطالب الحكومات الأخرى، لمجرد إبداء حسن النية وهم يتسلّمون مهام مناصبهم، فضلاً عن تصحيح ما يعتبرونه أخطاء سياسات أسلافهم، غير أن الهدايا التي تقدّم على عجل، أي قبل أن تقدّر الإدارة الجديدة تكاليفها بصورة تامة، غالباً ما تصبح موضع ندم في أوقات الراحة والفراغ".
وتقول إن "السيسي أخطأ في حساباته، إذ قد تتناقض الحملة المستمرة ضد منظمات المجتمع المدني المصرية، والتي تصاعدت وتائرها بصورة ملحوظة منذ فوز ترامب، مع سعي السيسي للحصول على قائمة رغباته بأكملها".
ونوهت لأن قانون المنظمات غير الحكومية الجديد الصارم في مصر، الذي أقرّه البرلمان، ومن المتوقع أن يوافق عليه السيسي قريباً، "عكّر صفو زيارة شكري الأخيرة إلى واشنطن، وأعضاء الكونجرس الأميركي لم يتجاوزوا قط "القضية 173" المتعلقة بالتمويل الأجنبي، والتي جرى فيها إدانة موظفين أميركيين ومصريين يعملون في منظمات غير حكومية تموّلها الولايات المتحدة بتهمة القيام بأعمال من دون ترخيص في العام 2013، وهذه المسألة تم إحياؤها الآن باعتبارها قضية ضد المنظمات غير الحكومية المصرية التي حصلت على تمويل أجنبي".
ثمَّ، هناك قضية آية حجازي، وهي واحدة من عدد من المواطنين الأميركيين الذين احتُجزوا لفترات مديدة في السجون المصرية وفق مسوّغات مفبركة تتعلّق بالاحتجاجات التي تلت الانقلاب العسكري في العام 2013.
أضف إلى ذلك أنه حالما غادر شكري واشنطن، تسرّب خبر اعتقال عزة سليمان الناشطة في مجال حقوق المرأة، وهي أول شخص يتم القبض عليه في الفصل الجديد من القضية 173 (أطلق سراحها لاحقاً بكفالة لكن ستتم محاكمتها).
وأشارت إلى إصدار عضوي مجلس الشيوخ ليندسي غراهام (رئيس لجنة الاعتمادات الخارجية) وجون ماكين (رئيس لجنة الخدمات المسلحة) بيانًا عقب مغادرة وزير الخارجية شكري لأمريكا، حول عزمهما "تشديد الشروط المتعلقة بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان" على المساعدات التي ستقدم إلى مصر مستقبلاً.
كما واجه شكري سيلاً من الأسئلة الصعبة حول حقوق الإنسان خلال مقابلتين أجراهما مع وسائل الإعلام، ونت ثم، مشيرة إلى أن النظام المصري رأى في انتخاب ترامب ضوءًا أخضر لزيادة اضطهاد نشطاء المجتمع المدني السلميين.
وتوقعت الباحثة الأمريكية "أن كبار أعضاء الكونغرس سيعارضون منح السيسي كل ما يريد، إذا لم تتحسن أوضاع حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مصر، حتى في ظل وجود رئيس جمهوري في البيت الأبيض، وأن السيسي سيقبل على الأرجح أي تمويل أو هدايا يغدقها عليه ترامب وسيستخدمها في غير أغراضها المحددة، أي لا لمحاربة الإرهاب، بل لتحقيق أجندات سياسية انتقامية تافهة ضد النشطاء السلميين".
المسيحيون يتحملون تحول استراتيجية الإرهاب
وحاولت فئة من المحللين السياسيين في مراكز الأبحاث الغربية طرح تحليلات موضوعية في أعقاب الهجوم على الكنيسة، ولكن كانت أبرز التحليلات ما كتبه مختار عوض في "اتلانتيك كونسل" تحت عنوان المسيحيون يتحملون وطأة التحول في استراتيجية الإرهاب في مصر.
وفيه يحاول الكاتب ادعاء أن فشل الجماعات الجهادية في مواجهة نظام السيسي جعلهم يلجؤون لاستهداف الطرف الأضعف وهم المسيحيون حلفاء السيسي، مشيرا إلى دور تنظيم "ولاية سيناء" في الهجوم على الكنيسة.
وقد أثار "كين روث" المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش غضب العديد من مستخدمي تويتر، بعد أن كتب على حسابه: "اكتشف أقباط مصر بعد دعمهم لانقلاب السيسي أن قمعه غير مقصور على الإخوان المسلمين"، واعتبر المسيحيون أن هذه التغريدة تسيء إليهم.
ورد ماجد عطية -الذي يغرد تحت اسم "سلامة موسى" قائلا: "ببساطة من المخزي أن يتحدث كين روث مدير هيومان رايتس ووتش عن العمل الدموي المعادي للمسيحيين بمثل هذه السعادة".
وفي تغريدة أخرى كتب روث "إذا كان تفجير الكنيسة من عمل المتشددين الإسلاميين، فإن هذا أسلوب مريع وفوضوي لمحاربة قمع السيسي"، ورد عليه "صامويل تادرس" بقوله: "من غير الصعب استنتاج أن كين روث متعصب معاد للمسيحيين".
وفي السياق نفسه، نشر مدونان بارزان من أقباط المهجر مقالين، الأول لبول سدرا بعنوان: "كيف تخطئ في فهم الطائفية المصرية"، والثاني لماجد عطية بعنوان (عن تفجير الكنيسة .. اقتراح متواضع) والذي قال إن الوقت قد حان لإنشاء مجموعات وطنية لحماية الكنائس.
الكنيسة تساعد النظام في استثمار مأسي المسيحيين
وكان من الملفت أيضا أن البيان الذي أصدره ما يسمي "رئيس منتدى الشرق الأوسط للحريات"، مجدي خليل بعنوان "النظام ومعارضيه يتنافسون في توظيف مأساة الأقباط لصالحهم"، قد شكك في رواية السيسي وجهازه الأمني حول اتهام الإخوان، وتساءل: "من يقف وراء جريمة كبرى كهذه الجريمة؟".
وحمل "المنتدى" السيسي "المسئولية الكاملة عن هذه المجزرة وعن الاضطهادات التي تقع على المسيحيين"، قائلا: "في كل جرائم الاعتداءات على المسيحيين كان الإفلات من العقاب هو السمة الرئيسية، كما كان التضليل في نتائج التحقيقات هو السمة البارزة".
ونوه لأن "الحكومة ضغطت على الكنيسة لكي تخرج جنازة صامتة لا يحضرها إلا أفراد معدودين من أسر الضحايا، وتمت الصلاة في كنيسة أخرى بعيدة عن الكاتدرائية الرئيسية التي وقعت المجزرة بها".
وقال إنه "عقب كل حادثة تساعد الكنيسة النظام، من عهد مبارك إلى عهد السيسي، في استثمار مأسي المسيحيين في تثبيت شرعيته وفى إظهار أنه الحامي للأقلية المسيحية من الإسلاميين رغم عدم صحة ذلك".
وتابع "إن أوضاع المسيحيين في مصر تزداد سوءا، وتتغير الأنظمة ولكن تبقى فلسفة أجهزتها الأمنية، منذ عهد السادات إلى عهد السيسي"، وأن "المسيحيون يتطلعون إلى المجتمع الدولي للضغط على النظام المصري لتوفير حماية حقيقية لهم، وتحقيق العدل في الجرائم الواقعة عليهم، والأهم إشراكهم في مؤسسات صنع القرار، فأكثر من 100 مؤسسة سيادية في مصر، بما فيها الأجهزة الأمنية والمخابراتية، لا يوجد بها مسيحي واحد"، حسب البيان.
السيسي فشل في حماية المسيحيين
أيضا زعم الكاتب الفرنسي من أصول مصرية، روبير سوليه، إن الإسلاميين في مصر يرون أن الهجوم على المسيحيين أسهل بكثير من الهجوم على هدفيهما الرئيسيين المتمثلين في أفراد الشرطة والجيش، مؤكدا أن اعتداء الكنيسة البطرسية "هو فشل لعبدالفتاح السيسي الذي أعلن دعمه لمرات عديدة للمسيحيين".
وأضاف سوليه، لموقع "فرانس تي في إنفو" التابع للتليفزيون الفرنسي، معلقا على الهجوم الإرهابي الذي استهدف الكنيسة البطرسية في مصر، الأحد، "من السهل كثيرا بالنسبة للإسلاميين الأصوليين الهجوم على المسيحيين مقارنة بالهجوم على هدفيهما الحقيقيين وهما رجال الشرطة والجيش".
وأرجع سوليه الاعتداء الذي نفذه من قال إنهم "إسلاميون" على الكنيسة إلى رؤيتهم أن المسيحيون أخطأوا لدعمهم بأغلبية ساحقة للمشير عبدالفتاح السيسي وتصويتهم له في الانتخابات الرئاسي، مشيرا إلى أن المسيحيين اعتبروا السيسي الشخصية التي حمتهم من الإسلاميين وجنبتهم حربا أهلية، وكذلك التي حافظت على الدولة.
تغطية الإعلام الغربي "غير المتعاطفة"
ربما لهذا انتقد من يسمي نفسه "نيوتن" في مقاله بصحيفة المصري اليوم، تغطية الإعلام الغربي "غير المتعاطفة" و"التي جاءت في غير محلها لحادثة تفجير الكنيسة البطرسية".
واتهم نيوتن الصحف الغربية بأنها تكون أكثر تعاطفًا في تغطيتها للتفجيرات الإرهابية التي تقع في الدول الغربية، وقال: "الأحداث الإرهابية وقعت في أكثر من دولة… لم تقل الصحافة الغربية إن هذا فشل للنظام بأكمله، اكتفت حينها بالقول إنه فشل أو إخفاق أمني".
وأشار إلى وجود ازدواجية وكيل بمكيالين في تغطية تلك الصحف والتي قدمت التفجير على أنه إثبات لعدم قدرة الحكومة على حماية الأقليات.
16 منظمة ضد القمع
وكانت 16 منظمة طالبت قادة الاتحاد الأوروبي بالتصدي للقمع المتزايد في مصر وأصدرت مجموعة تضم 16 منظمة، من بينها "هيومان رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود"، خطابا مفتوحا دعت فيه قادة دول الاتحاد الأوروبي "لاتخاذ تدابير فورية للتصدي للقمع المتزايد في مصر".
وأشار الخطاب إلى عدد من التطورات في مصر، ومنها الإصدار المفاجئ لقانون الجمعيات الأهلية، والقبض على المحامية والناشطة الحقوقية البارزة عزة سليمان، وتجميد أصول عدد من العاملين بمنظمات المجتمع المدني.