حذر د. عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي بحكومة الدكتور هشام قنديل، من أن استمرار المستنقع العسكري في مصر بقيادة السيسي سيجلب عواقب وخيمة على أوروبا.
جاء ذلك في المقال الذي نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية للدكتور عمرو دراج في ذكرى تنحّي مبارك تحت عنوان: “إذا استمرت وحشية السيسي، فستكون العواقب وخيمة على أوروبا”، دعا فيه الأوربيين إلى استدراك تعاملها مع النظام السلطوي لحكومة السيسي والفشل المحدق بمصر، وقال: “لن تستطيع القارة العجوز أن تتخيل العواقب التي يمكن أن تؤول إليها الأمور”.
أكبر من سوريا وليبيا
وكشف “دراج” عن أنه إذا ما انفجرت أعمال عنف في مصر، فإن أزمة الهجرة وحدها كفيلة بأن تهز القارة الأوروبية من الأساس، وسيكون تصدير الإرهاب ولو على نطاق ضئيل كفيلاً بإيقاظ وإشعال فتيل النزعة القومية وفوبيا كراهية الأجانب التي تتصاعد الآن في أوروبا، مقارنًا بين مصر وكل من سوريا وليبيا قليلة العدد بالسكان مقارنة بمصر.
واعتبر أن نظام السيسي المحرك الرئيسي نحو عدم الاستقرار في مصر، رغم استخدام السيسي نفس الحجج لابتزاز أوروبا من أجل دعمه.
وقال في مقدمة مقاله: “تُعتبر حكومة مصر الاستبدادية الحالية هي الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للحكومات التي سبقتها. ويجب مواجهتها قبل أن تَدخل البلاد في دوامة من العنف”.

مستنقع ديكتاتوري
وأكد الاستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة أن مصر ومرة ثانية في مستنقع ديكتاتور عسكري وحشي لا يمكن توقع ما يمكن أن يرتكبه من فظائع، ويكفي أن نقول إنه أسوأ من مبارك، وأسوأ من عبد الناصر. وقد ظهر أثره المدمر سريعًا على الحياة المدنية قي مصر. وقد أوجزت ذلك د. داليا فهمي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة لونج آيلاند في نيويورك، عندما قالت إن “المجتمع المصري يتم سحقه”.
وأشار ضمن مقاله إلى إعدام ثلاثة شبان مصريين، بتُهم ملفقة، بناءً على اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب. وبهذا يبلغ عدد الذين أُعدموا بالفعل 37 شخصًا، بينما ينتظر 56 آخرون مصيرهم المحتوم في وقت قريب بعد رفض استئنافاتهم. موضحا أن الفظائع التي يرتكبها النظام من اعتقالات غير قانونية، وحالات اختفاء قسري، وقتل خارج إطار القانون، تتم بشكل معتاد: فالسيسي يعاقب المعارضين والناشطين بشكل يومي. فيتم القبض على النساء اللواتي ينتقدن التحرش الجنسي، كما يُعتبر عدد الصحفيين الذين يسجنهم النظام في مصر بتهم نشر “أخبار كاذبة” أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وتصف منظمة هيومن رايتس ووتش التعذيب في السجون المصرية بأنه قد أصبح “وباء”، في حين تقول منظمة العفو الدولية إن من يعيشون خارج تلك السجون يعيشون في “سجن مفتوح”.
وحذر من أن الحرب التي يجري التعتيم عليها في شبه جزيرة سيناء تهدد بوقوع أزمة إنسانية. وبسبب فشل السيسي في التعامل مع الإرهاب الذي يدعي أنه يحاربه، احتلت مصر المركز التاسع على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2018.
أوروبا العجوز
واستغرب استمرار أوروبا في مراوحة مكانها في موقف المتفرج بأيد مقيدة، وأنها تَعتبر أن “رجلاً قويًا” مثل السيسي يمكن أن يضمن لها الاستقرار أو على الأقل هذا هو مستوى تفكير بعض القادة الأوربيين أمثال إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا.

ووصف مثل هذه الرؤية بعقلية الحرب الباردة التي تدفع مصر إلى حافة الفشل الكامل للدولة. فحكومة السيسي تنفق مبالغ باهظة على مشاريع لم تخضع لأي دراسات جدوى أساسية، وبدلاً من تحويل الموارد إلى المدارس والمستشفيات فإنها توجهها إلى الجيش المتخم بالأموال أصلاً.
وأضاف أن ثلث المصريين يعيشون عند خط الفقر أو تحته، ويُدرِج مشروع الإنذار المبكر مصر في المرتبة الثالثة (بعد الكونجو وأفغانستان) في قائمة الدول التي من المرجح أن تشهد حوادث قتل جماعي واسعة النطاق هذا العام. ومع ذلك، يدفع السيسي وأنصاره لإجراء تعديلات دستورية من شأنها تمديد فترة رئاسته حتى عام 2034! فضلا على أن هذه التعديلات تدعو إلى تدخل الجيش من أجل “حماية الدستور ومدنية الدولة إذا تعرض ذلك للتهديد”، وعلى الرغم من أن هذا ما كان يحدث في مصر عادة، إلا أن هذه تُعد هي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يتم فيها إقرار ذلك في الدستور.
ليست أحلاما
وشدد الدكتور عمرو دراج على أن اعتقاد البعض أن أحلام الربيع العربي انتهت، يتجاهل أن المُثل التي قامت عليها هذه الأحلام لا تزال حية. فهناك رغبة عارمة لدى ملايين المصريين العاديين في أن يعيشوا في مجتمع ديمقراطي حر يسوده العدل. وإذا كانت أوروبا هي بالفعل معقل الديمقراطية في العالم، فإن على قادتها ألا يتخلوا عن مبادئهم من أجل “سياسة واقعية” خرقاء.
واستدل على فرحة المصريين الغامرة التي عمت البلاد في أعقاب تنحي حسني مبارك في مثل هذا اليوم منذ ثمان سنوات – في الحادي عشر من فبراير 2011. وبتجمع المصريين من مُختلف الأعمار والمعتقدات والخلفيات السياسية في ميدان التحرير، وقد وحدتهم جميعاً غاية واحدة، هي الرغبة في نيل الحرية وإنهاء ثلاثين عاماً من الاستبداد. ومع استلهام النجاح الذي حققته الثورة التونسية (بهروب بن علي إلى السعودية في 14 يناير 2011)، فقد اعتقدنا حينئذٍ في مصر، التي تُعتبر تاريخياً هي القوة الإقليمية الكبرى، أننا قمنا بسلسلة من الفاعليات الكفيلة بتحقيق الحرية في البلاد.
اعتراف بأخطاء
ورأى “دراج” أن من أكبر أخطاء الثوار السماح للجيش بإدارة الفترة الانتقالية، قائلا: “الثورات لا تُسَلِم السلطة أبدًا للأعمدة التي قام عليها النظام القديم. وقد نكون قد شعرنا في وقت لاحق بشيء من الرضا والثقة بأنه لا يمكن وقف مسيرة التغيير أو الوقوف في طريقها، خصوصًا بعد عقد أول انتخابات رئاسية حرة، وما أعقب ذلك من استفتاء على دستور جديد للبلاد.. لكن التضامن الذي ميز الاحتجاجات في ميدان التحرير بدأ ينفرط عقده وتتفكك عُراه.
وأضاف أنه لم تستطع حكومة د. محمد مرسي، ولا أي قوى سياسية أخرى أن تحل الخلافات التي نشبت بين شركاء الثورة أو أن تقلل من حدة المخاوف التي بدأت تستشري في الحياة العامة من النظام البائد، والأحزاب السياسية، والجيش، وحتى المصريين في الشارع.. لقد ارتكبنا أخطاء، فلم تستطع الحكومة، التي كنت أحد وزرائها، رغم محاولات حثيثة، أن تُنحي فلول نظام مبارك، أو أن تحقق التوافق المنشود في البلاد”.
لكنه أشار إلى بعد المؤامرة في الإطاحة بالرئيس والحكومة وقال: “طوال الوقت، كان يتم تصدير الأزمات المصطنعة التي تمثلت في نقص الوقود والغاز والكهرباء، مما أدى إلى تفاقم حدة الخلافات التي كانت في تصاعد مستمر. لقد كنا نعطي الأولوية لإنشاء مؤسسات ديمقراطية في البلاد، ولكن لم يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة فقط في الثالث من يوليو عام 2013 لهدمها جميعًا؛ الرئاسة، والبرلمان، والدستور. لقد كان ينبغي أن ينال الإصلاح الشامل وتطهير بقايا النظام البائد ما يستحقه من اهتمامنا”.

تحصين الدستور
وكشف الدكتور عمرو دراج أن الرئيس مرسي كان يسعى لتحصين دستور يحد من صلاحياته بإعلان دستوري تعمد البعض فهمه بشكل خاطئ.. “عندما أصدر الدكتور مرسي في نوفمبر 2012 إعلانه الدستوري الذي حصن فيه قراراته ضد أحكام المحكمة الدستورية بشكل مؤقت، اعتقد البعض أنه قد أعلن نفسه دكتاتورًا، رغم أن نيته كانت حماية الدستور الجديد للبلاد، الذي كان في واقع الأمر يحدّ من صلاحياته، ولا يوسعها، وفتح ذلك الباب أمام دعوات جديدة للاحتجاجات والمطالبة بتغيير النظام، وهو ما أدى في النهاية إلى الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي.
واختتم قائلاً: “تظل سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام عندما اعتدى على معارضي الانقلاب في ميدان رابعة العدوية (في الرابع عشر من أغسطس عام 2013) واحدة من أشد الأيام سوادًا في تاريخ مصر الحديث، وكانت نذير شؤم لتقويض أحلام الربيع العربي”، معتبرا أنه من المؤلم اليوم أن نتذكر كلمات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بعد تنحي مبارك: “لقد قال المصريون كلمتهم.. لقد قالوا بوضوح إنهم لن يقبلوا بعد اليوم بأقل من الديمقراطية الحقيقية”.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/feb/11/sisi-egypt-brutality-europe