حرق الغوطة الشرقية.. مصالح روسية إيرانية على حساب الأبرياء

- ‎فيعربي ودولي

“لا توجد كلمات تنصف القتلى من الأطفال وأمهاتهم وآبائهم وأحبائهم”.. بدت هذه العبارات المقتضبة للمدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” جيرت كابيلاري، لتفسير البيان الخالي من الكلمات الصادر، أمس الثلاثاء، عن المنظمة، بمثابة التعبير الأنسب لتوصيف حالة العجز عن مواجهة حرب الإبادة التي يشنها النظام السوري ومليشياته ومعهم روسيا، على المدنيين في الغوطة الشرقية، في الأيام الماضية، والتي تسببت في سقوط 250 شهيدا، في غضون يومين، ونحو 1200 جريح، وغلق 4 مستشفيات، وسط صمت دولي واسع لم تخرقه سوى فرنسا، التي قالت، أمس، إن الهجمات “تستهدف، عن عمد، مناطق آهلة بالسكان وبنية أساسية مدنية، بما في ذلك منشآت طبية، ما يمثل انتهاكا جسيما للقانون الإنساني الدولي”، مؤكدة أن “هذه الأفعال يتحمل مسؤوليتها النظام السوري، وكذلك روسيا وإيران، داعمتاه الرئيسيتان، واللتان ضمنتا، في إطار اتفاقات أستانة، وقفا للأعمال العدائية يفترض أن ينطبق على الغوطة”.

ويضاف إلى ذلك، تحذيرات الأمم المتحدة إن من خلال المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي نبّه من خطر “أن تتحول الغوطة الشرقية إلى حلب ثانية”، في إشارة إلى تدمير المدينة التاريخية بحجرها وبشرها أواخر 2016 قبل اجتياحها، فضلاً عن تأكيد منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية، بانوس مومتزيس، أن “استهداف المدنيين في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق يجب أن يتوقف حالاً، في وقت يخرج الوضع الإنساني عن السيطرة”.

كارثة وصمت دولي

وفي أحدث تقرير صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل 250 شخصًا في قصف على منطقة الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة قرب دمشق في 48 ساعة منذ ليل الأحد.

وقال المرصد إن هذا أكبر عدد من القتلى يسقط في يومين منذ هجوم كيمياوي في 2013 على المنطقة المحاصرة أودى بحياة المئات. وأضاف أن 106 أشخاص قتلوا في القصف الثلاثاء.

وباستثناء فرنسا التي اعلن وزير خارجيتها انه سيزور روسيا وايران داعمتا الاسد ، لبحث وقف القتل في الغوطة الشرقية، فقلما حصلت إبادة بهذا المستوى في التاريخ المعاصر، في ظل هذا المستوى من الصمت الدولي، وقبله العربي، إذ لم يسجل صدور حتى بيانات تنديد أو تضامن مع الشعب السوري، طيلة الأيام الماضية، التي شهدت مقتل المئات، مع أن المجزرة تكاد تكون منقولة على الهواء، من دون أن يثير ذلك عواصم القرار للتحرك على أي مستوى لوقف القتل. وكان لافتًا أن هذا الصمت طاول حتى الدول التي تعلن دعمها للشعب السوري، كذلك شمل ما يسمى دول “أصدقاء الشعب السوري”، وبقيت البيانات والتصريحات مقتصرة على المحتفلين بالمجزرة، سواء من المسؤولين في موسكو أو في إيران، ممن يحلو لهم تصوير ما يحصل على أنه “مكافحة للإرهاب” و”تخليص السوريين من الإرهابيين”.

تكرار سيناريو حلب

وتقف الغوطة الشرقية اليوم، بسكانها الـ400 ألف، أمام مصير حلب نهاية 2016، عندما قتل الآلاف من أبنائها، قبل أن تدخلها القوات السورية الحكومية والروسية، ويشرد أبناؤها من مدنيين ومسلحين إلى إدلب في حينها، على وقع تسارع وتيرة الحشود العسكرية على حدود الغوطة الملاصقة لدمشق لاجتياحها، لكن بعد تسويتها كاملة بالأرض.

فيما يقول ناشطون في الغوطة الشرقية، أمس الثلاثاء، إن القصف الجوي والصاروخي والمدفعي على مدن وبلدات الغوطة “هستيري”، ولم يتوقف منذ ثمان وأربعين ساعة “بل ازداد عنفاً وكثافة”.

مضيفين “أعداد القتلى والجرحى يصعب حصرها… عائلات بأكملها قُتلت، وعائلات أخرى مفقودة تحت أنقاض المنازل التي تسكنها، الجثث في الشوارع والفرق الإغاثية والطبية لم تعد قادرة على استيعاب حجم الكارثة”، إذ إن “القصف عنيف وكثيف جداً في عربين وحرستا وحمورية ودوما والشيفونية والنشابية ومنطقة المرج، ومسرابا وبيت سوا وغيرها”.

ويأتي تصعيد النظام للقصف المدفعي والصاروخي والجوي، مع حشده مزيدا من القوات العسكرية على أطراف الغوطة الشرقية، وسط ترويج وسائل إعلامه بأن ما يجري حاليًا هو تمهيد لبدء حملة عسكرية برية ضخمة في الغوطة الشرقية. فيما تصدى جيش الإسلام، أبرز فصائل الغوطة الشرقية، الثلاثاء، لمحاولة تقدم قامت بها قوات النظام السوري في منطقة المرج الواقعة جنوب دوما، التي طاولتها غارات كثيفة، حسب المرصد.

وفي السياق، وصف القيادي في جيش الإسلام محمد علوش، في حديث مع “أسوشييتد برس”، ما يجري في الغوطة بأن “هولوكوست جديدا يرتكب (هناك) على يد أقذر نظام على وجه الأرض”. كما أعرب علوش عن اعتقاده بأن النظام السوري وداعميه روسيا وإيران في “تحالف شيطاني.. غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية”.

تقويض العملية السياسية

من جهته، اعتبر “الائتلاف الوطني السوري” أنه ما كان لـ”حرب الإبادة الجماعية ولا الاعتداء الهمجي ليقع على أهالي الغوطة، لولا الصمت الدولي المطبق، وسكوت الدول الراعية للحل السياسي، بما يمثله ذلك من ضوء أخضر ترك المجال مفتوحاً أمام هذه الهجمة وهذا الإجرام، ما يحوّل دور المجتمع الدولي إلى موقع المتفرج، بل الشراكة في العدوان على السوريين”.

وجاء ذلك في بيانٍ صحفي أصدره “الائتلاف”، أمس الثلاثاء، بعنوان “روسيا تطلق رصاصة الرحمة على العملية السياسية في ظل صمت دولي”، قائلاً فيه إن “تقويض الحل السياسي هو النتيجة المقصودة لاستمرار هذا التصعيد، وبات من المؤكد أن روسيا تريد دفن العملية السياسية وفق المرجعية الدولية، خاصة بعد إعلانها عن تزويد قوات النظام بأسلحة متطورة لتنفيذ عملية عسكرية في الغوطة الشرقية”.

واعتبر “الائتلاف” أن “كافة أعضاء المجتمع الدولي يتحملون النتائج المترتبة على صمتهم وشللهم، وعلى رأس تلك النتائج تقويض الحل السياسي في سورية”، داعياً “مجلس الأمن إلى التحرك المباشر والجاد، لحماية 400 ألف مدني محاصرين منذ 5 سنوات في الغوطة الشرقية، والتصرف وفق مسؤوليته القانونية والسياسية والأخلاقية”.

تصعيد غير مسبوق

ويعتبر هذا التصعيد غير المسبوق، بالقصف والغارات، مع حشد النظام فرقا عسكرية، واستدعائه مليشيات موالية له من جبهات إدلب وحماة ودير الزور وغيرها للهجوم على الغوطة، بمثابة إعلان من النظام وبدعم روسي-إيراني، نهاية اتفاق “خفض التصعيد” في الغوطة، التي تعتبر واحدة من المناطق الأربع التي تم إعلانها من قبل الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) لاتفاقيات “أستانة”، كمناطق من المفترض أن لا تشهد تصعيداً للعمليات العسكرية فيها.

ووصف المحلل العسكري أحمد رحال، هذه الاتفاقيات، بأنها أتت “لتبريد جبهاتٍ معينة، وأتاحت للنظام الاستفراد في جبهات أخرى، كما يحصل الآن في الغوطة الشرقية”، معتبرًا، في تصريحات صحفية، أن “كل هذه الاتفاقيات فشلت، بل خدمت المشروع الإيراني الروسي في سورية، ولم يصمد سوى اتفاق خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية، لكون إسرائيل معنية به”، قائلاً إن “الروس احتالوا عبر اختراعهم اسم مناطق خفض التصعيد، وهو غير موجود في الأعراف والمصطلحات العسكرية الدولية. نحن نعرف مصطلحات الهدن ووقف إطلاق النار، ولكل منها خصوصيتها وأبعادها، لكن خفض التصعيد ما كان إلا مصطلحًا غامضًا لشراء الوقت، والاستفراد بجبهات دون أخرى”.