أحمدي البنهاوي
انقلب السحر على الساحر، هو المثل الذي يستخدمه عامة المصريين، اليوم، في وصف محاولات عبد الفتاح السيسي خلق كنيسة قديسين جديدة، عساها تنقذه من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تطحن المواطن، وفي وصف التداعيات يرى البعض أننا حقيقة أمام تداعيات لمقتل القبطي مجدي مكين ضحية تعذيب الداخلية، وتبرير الإعلام الانقلابي للحادث، وها هو مركز التفكير للانقلاب يقرأ في ردود فعل الأقباط على حادث كان ينتظر 5 من الأذرع الإعلامية أن تأتي الرياح بما يشتهونه، وأن يكون "الإخوان" هم المتهم رقم واحد، فصدمهم حالة الرفض القبطي- الشركاء الأصليين لـ30 يونيو- ليس لريهام سعيد ولميس الحديدي كونهما من نوع "الحرباية"، كما أطلقت عليهما امرأة قبطية غاضبة في محيط الكنيسة بالعباسية، ولكن أيضا لأحمد موسى وعبد الرحيم علي، والصمت البابوي غير المنتظر من تواضروس شريك المنقلب.
لم يكتف الأقباط بطرد ذيل الثعبان، بل طردوا وزير داخلية الانقلاب وسبوه، ووصفوه ومن عينه "السيسي" بالفاشل، حتى رئيس الوزراء- الصايع الضايع- لم يعطوه قدرا من الاحترام بل طردوه كما طردوا وزير داخليته ولواءاته المتراصين أمام الكاتدرائية.
الأقباط كأحد أهم الأطراف الآن في مصر، يرفضون حضور السيسي عيدهم، وربما يطلبون منه عدم حضور تشييع قتلاهم- رغم إعلانه أنه حاضر، غدا، مراسم الدفن في الكنيسة، وذلك ليس مجرد اتهام بالتقصير، بل يرقى إلى اتهام بالضلوع في الجريمة التي أودت بحياة 25 مصريا على الأقل.
ومفسرا لموقفهم، اعتبر الكاتب الصحفي سليم عزوز- في تعليق نشره عبر حسابه على "فيس بوك"- أن "هتافات المسيحيين أمام الكاتدرائية تؤكد أنهم يعرفون من الجاني.. إنها رواية تذكرنا بفيديوهات الراهب المشلوح.. فلم يقتنعوا أنها تصرُّف أرعن من صحيفة فضائحية كما تذكرنا بهتافاتهم عقب تفجيرات كنيسة القديسين".
الشماعة الأولى
ولم يجد الانقلاب متهما- بل ربما زرعهم في القضية كمتهمين- إلا جماعة الإخوان المسلمين، لذلك سارعت الجماعة من خلال متحدثها الإعلامي إلى اعتبار أن "الاتهامات بأن الإخوان وراء حادث تفجير الكنيسة المرقسية، اليوم، هو سيناريو مفضوح ومكرر من داخلية وإعلام الانقلاب".
وأضاف د. طلعت فهمي أن "النظام الانقلابي بمصر يريد أن تكون مثل هذه الأحداث وقودا لحرب طائفية، ولكننا بعيدون عن كل هذا تماما، ولعل أحداث ثورة يناير تؤكد أن الشعب المصري نسيج واحد، وأننا لم نفرق بين المسلمين والمسيحيين الموجودين بميدان التحرير".
وأضاف فهمي- في مداخلة عبر قناة "مكملين"- أن الدم المصري كله حرام، وجماعة الإخوان المسلمين لها مواقفها الواضحة من حرمة الدم، وهي التي لا ترد على من يعتدي عليها أو يسبها أو يسيء إليها، وبالتالي لا يمكن أن تتورط في أي دماء مصرية، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين".
واعتبر فهمي أن الانقلاب يوجه الاتهامات للإخوان بفضل صمودهم وثباتهم في رفض الانقلاب العسكري الدموي وما انبثق عنه وتداعياته، والتي منها "حادث الكاتدرائية"، وقال: "بعد مرور 40 شهرا على الانقلاب، ما زالت الثورة مستمرة، وما زال الرئيس محمد مرسي صامدا وثابتا، ولم يستطع الانقلاب أن يفت في عضد الثورة، ولهذا يحرص على توظيف مثل هذه الأحداث كفزاعات، مثل مقتل رجال شرطة أو جيش أو تفجير كنائس، ويتهم آخرين بها، ومنهم جماعة الإخوان؛ لتبرير بقائه أو فشله الأمني، في محاولة لصرف أنظار الشعب عن الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشونها".
الغرب في الواجهة
من جانبها، اعتبرت الوكالات الإخبارية والمواقع الأجنبية أن الحادث هو الأكثر دموية منذ عقود، متجاهلين مذبحة رابعة والنهضة وما تلاهما وما سبقهما، فقالت "أسوشيتد برس": "تفجير الكنيسة البطرسية الأكثر دموية منذ عقود"، وقالت "وكالة الأنباء الفرنسية": "صرخات الثكالى وصيحات التنديد تعلو على أبواب الكنيسة البطرسية"، وقالت "ديلي ميل": "الإرهاب يستهدف المسيحيين والمسلمين في مصر"، إلا أن المستغرب كان تصريح ضاحي خلفان، قبل انفجار الكاتدرائية بساعتين، يقول: "شيء ما سيحدث في مصر.. سيفرح السيسي".
وعلق الإعلامي بقناة الجزيرة "أحمد منصور" على الحادث، اليوم، بأنه "من تخطيط السيسي، والهدف منه هو إجبار الغرب على دعم نظامه"، وأضاف "من يستطيع إدخال قنبلة وزنها 12 كيلو داخل الكاتدرائية المحاطة بحراسة مشددة إلا من يخطط لإشعال الحرب الأهلية؟ هل نسيتم تفجير الأمن لكنيسة القديسين؟"، وأوضح أن "وسيلة السيسى الوحيدة لإجبار الغرب على دعم نظامه هى تفجير الكنائس لإشعال الحرب الأهلية"، مضيفا، "أيدى السيسى وأجهزته ليست بعيدة عن تفجير الكنيسة، لا سيما وأنه حاول فى زياراته للدول الغربية وخطاباته المتكررة إقناعهم بأن مصر على شفا حرب أهلية".
"بكري" و"جمعة"
ولعل تصريح كل من مصطفى بكري وعلي جمعة كشخصيتين "سياديتين" يعبر عما يريده الانقلاب، حيث وصف الذراع مصطفى بكرى حادث انفجار الكنيسة الكاتدرائية بالعباسية، بأنه استمرار للمؤامرة على مصر، والتى وصلت فى دناءتها إلى حد الاعتداء على دور العبادة، وإصابة المصلين بطريقة وحشية هدفها إثارة الفتن فى البلاد. وقال إنه بصفته عضوا فى اللجنة التشريعية بالبرلمان، سيطرح ضرورة الإسراع بإصدار تعديل قانون الإجراءات الجنائية لاختصار درجات التقاضى، وتنفيذ أحكام الإعدام ضد المتآمرين، غدا، فى اجتماع اللجنة.
وتابع عضو مجلس النواب، "وإذا كان هذا الحادث جاء ردا على التصديق على حكم إعدام حبارة، فلا بد أن يطول هذا الحكم كل من هم على شاكلته".
بدوره رفض علي جمعة، مفتي الانقلاب، خلال لقائه ببرنامج "والله أعلم"، تقديم العزاء لتواضروس، مؤكدًا أنه يواسي البابا تواضروس فقط، وأن المصريين لن يقبلوا العزاء حتى يأخذوا بالثأر من هؤلاء الإرهابيين الأوباش الأنجاس الأغبياء، مطالبًا بجعلهم عبرة يراها العالم بأسره.
من أهلها
من ناحية ثانية، جاءت بعض الأصوات تتهم "الحكومة" التي قاربت على الإقالة حتى قبل الحادث، فالغيطى اعتبر "الحكومة بتلهى الناس فى أكل العيش وبس"، أما الحقوقي هيثم أبو خليل فقال: "النظام مسئول عن تفجير الكنيسة البطرسية"، كما اعتبر الشيخ عبد الخالق الشريف أن "الذى ضرب الكنيسة اليوم هو الذى أحرق مسجد رابعة من قبل".
أما النشطاء والمغردون فأصدروا، اليوم، العديد من الهاشتاجات المتهمة للسيسي، وكان منها "#العصابة_هي_هي"، و"#سيسي_كل_ماتتزنق_فجر".