انضم محمد الزواري، مهندس الطيران التونسي، الذي تعرض للاغتيال يوم الخميس الماضي في تونس، إلى قائمة طويلة من القتلى الذين قضوا في عمليات اغتيال، وجهت أصابع الاتهام فيها الي دولة الكيان الصهيوني، منذ سبعينسات القرن الماضي وحتى الآن، رغم سياستها المعلنة في هذا الصدد التي تقوم على الغموض فيما يخص السياسة النووية، والاغتيالات.
"الزواوي" الذي أكد الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، أنه كان عضوًا في الجناح العسكري وقائدا لتطوير الطائرات دون طيار التابعة للحركة، والتي شهدت تطويرا وتفوقا كبيرا، ليس سوى ضحية أخرى لقائمة اغتيالات طويلة وجهت أصابع الاتهام لإسرائيل بقتلهم، دون تأكيدات رسمية من تل أبيب، وقصر الأمر على تلميحات إعلامية عبرية فقط.
ومحمد الزواري من مواليد عام 1966، ويعتبر مخترع أول طائرة من دون طيار في تونس، وطيار سابق في شركة الخطوط الجوية التونسية، وهو من الذين أشرفوا على مشروع طائرات "أبابيل" القسامية "والتي كان لها دور بارز في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، عام 2014، حسب ما أعلنت عنه "القسّام".
وجاء في بيان الكتائب، أن المهندس التونسي التحق قبل 10 سنوات في صفوف المقاومة الفلسطينية وانضم لـ"القسّام" وعمل في صفوفها.
وتبحث حركة حماس باستمرار عن طُرق لتتفوق على الجيش الإسرائيلي في أية معركة قادمة في حوب غزة، وتحضر في هذا السياق مجموعة من الوسائل الهجومية التي من شأنها أن تنقل المعارك إلى داخل الأراضي المحتلة، منها الأنفاق، والاستعانة بغواصين كوماندوز بحري، واستخدام طائرات دون طيّار ومظليين يستعينون بالطائرات الشراعية.
وما يجمع اغتيال الزواوي وغيره من قادة حماس في عواصم عربية مختلفة هو دخول وخروج القتلة دون القبض عليهم، ودون الكشف عنهم باستثناء كشف دبي عن صور قتلة "محمود المبحوح" على كاميرات مراقبة، ما كشف هشاشة المنظومة الامنية العربية وسهولة اختراقها من قبل الجواسيس الاسرائيليين، ومعاونيهم داخل البلدان العربية.
وبحسب ما أعلنت عنه وزارة الداخلية التونسية، فإن الزواري (49 عاما) قضى عقب إصابته بثماني أعيرة نارية أُطلقت بشكل مباشر على جمجمته أثناء جلوسه في سيارته أمام منزله الكائن بمنطقة "العين" في محافظة صفاقس (جنوب تونس).
حيث أصيب من مسافة قصيرة بستّ رصاصات، من بينها ثلاث أصابت رأسه، وقيل أيضا إنّ من اغتاله كان شخصا ذا مهارات ومدرّبا جدّا، وفرّ من المكان.
اعترافات إسرائيلية ضمنية
وأشار تقرير لصحيفة "هآرتس" ضمنا لمسئولية الاحتلال الإسرائيلي بقولها إن "اغتيال الزواري أحبط مخططات حماس للمواجهات المستقبلية"، وأن "السياسة الإسرائيلية المُعلنة (فيما عدا حالات استثنائية مثل اغتيال المسؤولين عن قتلة الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونخ سنة 1972)، توضح أن استهداف الإرهابيين يهدف إلى منع وقوع عمليات إرهابية مستقبلاً وليس لتصفية حسابات نتيجة أعمال حدثت سابقًا".
وكتب المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هرئيل، في صحيفة "هآرتس" يقول إن "محمد الزواري، مهندس الطيران الذي تم إطلاق النار عليه وقتله في تونس، "ينضم إلى قائمة طويلة من قتلى عمليات لاغتيال التي تستهدف نشطاء الإرهاب في الشرق الأوسط والتي نسبت إلى إسرائيل"، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن هذه العملية تأتي عقب أربع عمليات اغتيال سابقة نُفّذت خلال العقد الأخير، ونسبت المسؤولية عنها لـ"موساد"، في حين حافظت اسرائيل على عنصر الغموض في هذه الوقائع، مؤكدا "حق إسرائيل في محاربة الإرهاب خارج حدود إسرائيل أيضا".
واعتبرت وسائل أعلام إسرائيلية أن الزواوي "هدفا مشروعا لإسرائيل"، بحكم خبراته الهندسية التي كان يوظفها لخدمة المقاومة الفلسطينية، بحسب ما أعلنت عنه "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، والتي اتّهمت جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الـ"موساد" بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
وفي حين تجاهلت غالبية الصحف الإسرائيلية، الحديث عن هوية الجهة المنفذّة لعملية الاغتيال، نسبت بعضها صراحة العملية لجهاز الـ"موساد"، كصحيفة "جيروزالم بوست" التي عنونت مقالها الافتتاحي بـ"الموساد يغتال مجنّدا لحماس في تونس".
وقال هرئيل "إن حماس تبحث طوال الوقت عن طرق للتغلب على فجوة القدرات التي تصب في صالح الجيش الإسرائيلي في المواجهات المستقبلية في القطاع، وفي هذا الإطار تقوم بإعداد تشكيلة من الوسائل الهجومية، التي يفترض بها نقل جزء من القتال الى الأراضي الإسرائيلية أثناء نشاط الجيش في غزة".
لردع حماس
أيضا كتب المحلل السياسي أليكس فيشمان، في صحيفة "يديعوت احرونوت" الأحد، قائلا إن "من اغتال محمد الزواري في تونس رغب بترك بصماته (…)، ورغب بأن تكشف حماس بنفسها عن نشاط الزواري في خدمتها، وتتهم الموساد باغتياله".
واعتبر أن ما كشفت عنه "كتائب القسام" في بيانها الذي تبنّت فيه الزواري كأحد أبرز قيادييها العاملين في مجال هندسة الطائرات بدون طيار، هو بمثابة "عنصر رادع في الحرب اليومية ضد الإرهاب التي تدور ليس فقط على امتداد الحدود وإنما أيضا على مسافة آلاف الكيلومترات من إسرائيل"، وفقا للمحلل الإسرائيلي.
وأضاف "إذا كان صحيحا أن إسرائيل هي من تقف وراء الاغتيال، يمكن التكهن بأن من صادق على العملية قدّر بأن الاغتيال سيوقف تزود تنظيمات الإرهاب بقدرات تعتبرها إسرائيل بمثابة خط أحمر"، بحسب قوله.
وحسب ما يراه فيشمان؛ فإن "حماس تستثمر الكثير من التفكير والوسائل في السلاح المفاجئ الذي يمكن أن يقوّض معنويات وإصرار إسرائيل على الحرب، وإحدى هذه المنظومات تدخل في مجال الروبوت، في البحر والجو؛ وعليه فإن من شأن اغتيال المهندس التونسي أن يشوّش أو يؤخّر تزود حماس بهذا السلاح".
وأضافت "يديعوت احرونوت" أن اغتيال الزواري "يشكل حالة انتعاش للموساد بعد الإحراج الذي تعرّض له في أعقاب عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمد المبحوح عام 2010، وذلك في حال ثبوت قيامه بتصفية المهندس التونسي".
وقال المحلل الاسرائيلي: "بالطبع إسرائيل لن تعترف للعالم إن كانت هي من يقف خلف عملية الاغتيال، ولكن ما تعلمناه خلال السنوات الماضية أننا لا نحتاج لاعتراف رسمي لكي نحدد من يقف خلف عملية الاغتيال".
لا تعليق
ونقل "رونين بريغمان" أهم معلقي الشؤون الاستخبارية، في برنامج "نهاية الأسبوع" الذي بثته القناة الإسرائيلية العاشرة مساء الاحد، عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها: "اتهامات السلطات التونسية للموساد بالمسؤولية عن اغتيال الزواري لا تخلو من الصحة".
وقال بريغمان: "إسرائيل عادة ما ترد على الاتهامات الموجهة للموساد بتنفيذ عمليات اغتيال بالقول: لا تعليق، لكن ما حدث اليوم مختلف قليلا".
وألمح بريغمان، المعروف بعلاقاته الوثيقة جدا بالأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية إلى أن منفذي عملية الاغتيال قد تمكنوا بالفعل من مغادرة تونس".
وفي البرنامج نفسه، قال "أورن هيلر" معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة، إن الزواري معروف بعلاقاته الوثيقة بحركة حماس وبعضويته في ذراعها العسكرية "كتائب عز الدين القسام"، منوها إلى أن المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدى إسرائيل تؤكد أنه تواجد في معسكرات للحركة في سوريا ولبنان، وأنه كان يساعد الحركة على بناء قدراتها في مجال إنتاج الطائرات بدون طيار.
ونقل هيلر الذي كان يتحدث في البرنامج نفسه عن المصادر الأمنية الإسرائيلية، قولها إن الزواري هو المسؤول عن تمكين "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس من استخدام الطائرات بدون طيار لأول مرة خلال حرب 2014.
وقال المحلل الاسرائيلي إن حركة حماس كانت معنية بأن يساعدها الزواري على الاستعداد للمواجهة القادمة مع إسرائيل من خلال إنتاج طائرات بدون طيار "انتحارية"، قادرة على ضرب أهداف في عمق إسرائيل "بأقل قدر من المخاطرة على مقاتليها، وهو ما دفع الموساد الإسرائيلي لاغتياله "ليس على ما كان، بل على ما سيكون، وهو مساعدته حماس في الاستعدادات للمواجهة القادمة لها مع الجيش الإسرائيلي".
قائمة اغتيالات طويلة
تضم قائمة الاغتيالات الاسرائيلية التي بدأت منذ السبعينات من القرن الماضي واستمرت حتى القرن الحالي، العديد من قادة المقاومة الفلسطينية بداية من قادة حركة منظمة التحرير، ثم حماس والجهاد، والجبهة الشعبية والديمقراطية، وكانت الاغتيالات تجري اولا في بيروت وعواصم أوروبية ثم انتقلت لتونس والاردن وسوريا والامارات وغزة والضفة.
وخلال السنوات العشر الأخيرة؛ طالت عمليات الاغتيال كلا من؛ القيادي البارز في حركة "حماس" محمود المبحوح (اغتيل في إمارة دبي)، وثلاثة قياديين في "حزب الله" اللبناني؛ هم رئيس جهاز العمليات عماد مغنية (اغتيل في دمشق)، ورئيس الجهاز التقني حسن القيس (اغتيل في بيروت)، والقيادي سمير القنطار (اغتيل في جرمانا جنوب دمشق).
كما سبقت عملية الاغتيال هذه في تونس، في العقد الأخير فقط، عملية اغتيال حسان اللقيس، قائد جهاز التكنولوجيا في حزب الله والذي قُتل في بيروت، وسمير القنطار، الذي عمل ضمن صفوف حزب الله، بعد إطلاق سراحه ضمن صفقة تبادل أسرى من السجون الإسرائيلية، وقتل في غارة جوية داخل سوريا.
وفيما يلي أبرز الاغتيالات الإسرائيلية خصوصا في تونس:
أبو جهاد
في 16 إبريل 1988، جرى اغتيال أبوجهاد، مهندس الانتفاضة الأولى، وهو الشخص الثاني بعد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حيث تم اغتياله من خلال فرقة كوماندوز إسرائيلية في تونس.
وشارك في تنفيذها "جهاد الموساد وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) وجهاز المخابرات "الشاباك"، وكان يرأس طاقم القيادة نائب رئيس الأركان ايهود باراك آنذاك.
وحسب تحقيق بثته القناة الثانية من التلفزيون الإسرائيلي قبل 3 أعوام، فإنه وفي نهاية عام 1987، قتل أبوجهاد بـ70 رصاصة، بعدما أصدر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر تعليماته للجيش بتصفية أبو جهاد، وقال اللواء احتياط عزرا بنو، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير "في هذه الحالة كان واضحاً أن هذا الرجل يجب أن يختفي من الوجود".
وقالت القناة الاسرائيلية أن "حوالي عشرون مقاتلاً من وحدة الأركان نزلوا من السفن إلى الزوارق المطاطية التي يقودها رجال البحرية، وتقريباً حملت الزوارق وحدة الأركان ساعة ونصف".
وعقب اغتيال "ابو جهاد" بعامين، جاي في 14 يناير 1991، اغتيال ثلاثة قادة اخرين من منظمة التحرير في تونس هم: صلاح خلف، وهايل عبد الحميد، وأبو محمد العمري.
القائد محمد الضيف
سعت إسرائيل خلال حربها مع حركة حماس عام (2014) لاغتيال قائد جناحها العسكري (كتائب عز الدين القسام)، "محمد الضيف"، ولكنه نجا من أكثر من خمس محاولات اغتيال من قبل إسرائيل.
وفي محاولة الاغتيال الأخيرة قُتلت زوجته وابنته، ومن غير المعروف حتى اليوم، كيف نجا الضيف من الاغتيال، ولا كيف يعيش، وماذا كانت قوة الضربة التي أصابته، حيث يتردد أنه مصاب.
كانت إحدى محاولات اغتياله في سبتمبر عام 2002 ونجا منها بأعجوبة، حيث فشلت صواريخ طائرات الأباتشي في قتله، على الرغم من أنها أصابت السيارة التي كان داخلها، وأدى الحادث إلى مقتل اثنين من مرافقيه.
وفي الحرب على غزة 2014 (العصف المأكول) أخفقت "إسرائيل" في اغتيال محمد الضيف، حينما قامت الطائرات اف-16، 19/8/2014 بتدمير منطقة "أبو علبة" في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة بالكامل، وذلك بعد استهداف منزل يعود لعائلة "الدلو" مكون من ثلاثة طوابق وقتل 4 منهم طفل وسيدتين ورجل، تبين لاحقا أن من بينهم زوجة ضيف وأصغر أطفاله الرضيع "علي" الذي يبلغ من العمر سبعة أشهر.
أحمد الجعبري
منذ إصابة محمد الضيف في 2006 تولى أحمد الجعبري منصب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، واشتهر خلال عملية خطف الجندي جلعاد شاليط، وكان هو من نقله إلى مصر، يدًا بيد، بعد توقيع اتفاقية إطلاق سراحه.
القبض على الشهيد الجعبري… تلفيقات الانقلابيين عرض مستمر |